فصل: (سورة الإخلاص (112): الآيات 1- 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أحد}
وذلك أن قريشًا قالوا له صِفْ لنا ربَّك الذي تعبده وتدعونا إليه ما هو؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أحد} يعني: قل يا محمد للكفار إني ربي الذي أعبده {هُوَ الله أحد} يعني فرد لا نظير له ولا شبيه له ولا شريك له ولا معين له ثم قال عز وجل: {الله الصمد} يعني: الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال السدي وعكرمة ومجاهد {الصمد} الذي لا جوف له، وعن قتادة قال كان إبليس لعنه الله ينظر إلى آدم عليه السلام ودخل في فيه وخرج من دبره يعني حين كان صلصالًا فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الصمد الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ويتضرعون إليه عند مسألتهم وقال أبو وايل {الصمد} السيد الذي انتهى سؤدده وكذلك قال سعيد بن جبير وقال الحسن البصري رضي الله عنه {الصمد} الدائم، وقال قتادة {الصمد} الباقي ويقال الكافي وقال محمد بن كعب القرظي {الصمد} الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ويقال: {الصمد} التام في سؤدده وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: {الصمد} الذي لا يخاف من فوقه ولا يرجو من تحته ويُصْمَد إليه في الحوائج ثم قال عز وجل: {لَمْ يَلِدْ} يعني: لم يكن له ولد يرث ملكه.
{وَلَمْ يُولد} يعني: لم يكن له والد يرث عنه ملكه {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} يعني: لم يكن له نظير ولا شريك فينازعه في عظمته وملكه وقال مقاتل: إن مشركي العرب قالوا إن الملائكة كذا وكذا وقالت اليهود والنصارى في عزير والمسيح ما قالت فكذبهم الله تعالى وأبرأ نفسه مما قالوا فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد}، قرأ عاصم في رواية حفص كفوًا بغير همزة وقرأ حمزة بسكوت الفاء مهموزًا والباقون بضم الفاء مهموزًا بهمزة وكل ذلك يرجع إلى معنى وأحد وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال من قرأ {قُلْ هُوَ الله أحد} بعد صلاة الفجر إحدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذٍ ولو اجتهد الشيطان.
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَيَعْجَزُ أحدكُم أَنْ يَقرأ القرآن فِي لَيْلَةٍ؟» فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك؟ قال: «أَنْ يَقرأ قُلْ هُوَ الله أحد ثَلاَثَ مَرَاتٍ» وروي عن ابن شهاب عن الزهري رضي الله عنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قرأ قُلْ هُوَ الله أحد مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قرأ ثُلُثَ القرآن» والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة الإخلاص:
{قُلْ هُوَ الله أحد}
أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال: أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: حدثنا أبو سعد الصغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله-عليه السلام-: انسب لنا ربك، فأنزل الله سبحانه: {قُلْ هُوَ الله أحد} الى آخر السورة.
وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس: أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: الى ما تدعونا يا محمد؟ قال: «الى الله سبحانه» فقالا: صفه لنا، أذهب هو أم فضة أم حديد أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات. وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا به من أي شيء هو من أي جنس أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممّن ورث الدنيا؟ ومن يورثها؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة. وهي نسبة الله خاصة.
وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم عن أبي جعفر الطرفي قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني ابن إسحاق عن محمد بن سعيد قال: «أتى رهط من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى أمتقع لونه ثم ساورهم غضبًا لربه، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال: أخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه {قُلْ هُوَ الله أحد} السورة، فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: صف لنا ربك كيف خلق وكيف عضده وذراعه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأوّل وساورهم، فأتاه جبرائيل فقال: له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} [الزمر: 67]».
وقال الضحاك عن ابن عباس: إنَّ وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب فيهم السيد والعاقب، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك من أي شيء هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ربي ليس من شيء وهو بائن من الأشياء» فأنزل الله سبحانه: {قُلْ هُوَ الله أحد} أي واحد.
ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا يدل عليه قراءة عبد الله {قُلْ هُوَ الله أحد} [.......].
وفرق قوم بينهما فقال بعضهم: الواحد للفصل والأحد للغاية، وقيل: وأحد بصفاته أحد بذاته، وقيل: إنَّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته، لأنَّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات، ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد أسم لمفتتح العدد، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات تقول: لم يأتني منهم أحد وجاءني منهم وأحد، فالمعنى أنه لم يأتني أثنان، وقال ابن الأنباري: أجد في الأصل وأحد كما قالوا للمرأة أناة والأصل ونأة من الوني وهو الفتور قال الشاعر:
رمته أناة من ربيعة عامر ** نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم

وقال النابغة في الواحد:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ** بذي الجليل على مستأنس وحد

سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه: {قُلْ هُوَ الله أحد}: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتحّد بأظهار الخفيّات.
وقراءة العامة {أحد} بالتنوين.
وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى {أحد الله} بلا تنوين طلبًا للخفة وفرارًا من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: 30] بغير تنوين.
وأما قوله: {الله الصمد} فاختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.
أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.
وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد أنتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.
غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلانًا أصمده وأصمُده صمْدًا بسكون الميم اذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة:
وأن يلتقي الحي الجميع تلاقني ** الى ذروة البيت الرفيع المصمد

وأنشد الأئمة في الصمد:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

وقال قتادة: الصمد: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم، علي بن موسى الرضا: هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء، أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول على عليه السلام.
السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لاينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضًا: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضًا: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه.
محمد بن علي: الصمد: الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وكل شي عنده بمقدار.
ابن عطاء: الصمد: الذي لم يتبّين عليه أثر فيما أظهر، جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.
وقال جعفر أيضًا: الصمد خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على الهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته والهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علمًا، وأظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} اختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع.
وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم.
وقرأ الآخرون مثقلًا مهموزًا وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.
{أحد} أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ أحد كُفُوًا}.
وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن تفسير هذه السورة قال: قل هو الله أحد بلا تأويل عدد، الله الصمد لا يتبعض بدد، لم يلد فيكون هالكًا، ولم يولد فيكون إلهًا مُشارَكًا، ولم يكن له من خلقه كفؤًا أحد.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقرأءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا على الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولًا، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: {قُلْ هُوَ الله أحد} ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: {الله الصمد} ونفى العلل والمعلول بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد} ونفى الأشكال والأضداد بقول: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الإخلاص:
مكية، وقيل مدنية.
وآياتها 4.
نزلت بعد الناس.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الإخلاص (112): الآيات 1- 4]

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد (4)}
{هُوَ} ضمير الشأن، و{اللَّهُ أحد} هو الشأن، كقولك: هو زيد منطلق، كأنه قيل: الشأن هذا، وهو أنّ اللّه واحد لا ثانى له.
فإن قلت: ما محل {هو}؟
قلت: الرفع على الابتداء والخبر الجملة.
فإن قلت: فالجملة الواقعة خبرا لابد فيها من راجع إلى المبتدإ، فأين الراجع؟
قلت: حكم هذه الجملة حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله: {اللَّهُ أحد} هو الشأن الذي هو عبارة عنه، وليس كذلك زيد أبوه منطلق فإنّ زيدا والجملة يدلان على معنيين مختلفين، فلابد مما يصل بينهما.
وعن ابن عباس: قالت قريش: يا محمد، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه، فنزلت: يعنى: الذي سألتمونى وصفه هو اللّه، و{أحد}: بدل من قوله، {اللّه} أو على: {هو أحد} وهو بمعنى واحد، وأصله وحد.
وقرأ عبد اللّه وأبىّ: {هو اللّه أحد} بغير {قُلْ} وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: {اللّه أحد} بغير {قُلْ هُوَ} وقال: «من قرأ: اللّه أحد، كان بعدل القرآن».
وقرأ الأعمش: {قل هو اللّه الواحد} وقرئ: {أحد اللّه} بغير تنوين: أسقط لملاقاته لام التعريف. ونحوه:
ولا ذاكر اللّه إلّا قليلا

والجيد هو التنوين، وكسره لالتقاء الساكنين. و{الصَّمَدُ} فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى: هو اللّه الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم {لَمْ يَلِدْ} لأنه لا يجانس، حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. وقد دل على هذا المعنى بقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ ولد وَلَمْ تَكُنْلَهُ صاحِبَةٌ}. {وَلَمْ يُولد} لأنّ كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أوّل لوجوده وليس يجسم ولم يكافئه أحد، أى: لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، نفيا للصاحبة: سألوه أن يصفه لهم، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته، فقوله: {هُوَ اللَّهُ} إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها، وفي طىّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم، لأن الخلق يستدعى القدرة والعلم، لكونه واقعا على غاية إحكام واتساق وانتظام. وفي ذلك وصفه بأنه حى سميع بصير. وقوله: {أحد} وصف بالوحدانية ونفى الشركاء. وقوله: {الصَّمَدُ} وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه: فهو غنى. وفي كونه غنيا مع كونه عالما: أنه عدل غير فاعل للقبائح، لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه.
وقوله: {لَمْ يُولد} وصف بالقدم والأولية. وقوله: {لَمْ يَلِدْ} نفى للشبه والمجانسة. وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد} تقرير لذلك وبت للحكم به: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدّما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت هذا الكلام إنما سيق لنفى المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأحراه. وقرئ: {كفؤا}، بضم الكاف والفاء. وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء.
فإن قلت. لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر متنها وتقارب طرفيها؟
قلت: لأمر ما يسود من يسود، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات اللّه تعالى وعدله وتوحيده، وكفى دليلا من اعترف بفضلها وصدق بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيها: إنّ علم التوحيد من اللّه تعالى بمكان، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم: يشرف بشرفه، ويتضع بضعه، ومعلوم هذا العلم هو اللّه تعالى وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله، وإنافته على كل علم، واستيلائه على قصب السبق دونه، ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه، وقلة تعظيمه له، وخلوه من خشيته، وبعده من النظر لعاقبته. اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، القائلين بعدلك وتوحيدك، الخائفين من وعيدك. وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين.
وروى أبىّ وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو اللّه أحد» يعنى ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد اللّه ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة. عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد فقال: «وجبت». قيل: يا رسول اللّه وما وجبت؟ قال: «وجبت له الجنة». اهـ.